Menu

!فُكّ قيدك

Ahlia University
تخلف الصراعات الدموية المسلحة والحروب الدائرة فى بعض دولنا العربية تداعيات نفسية سلبية هائلة على المواطن العربى، سواء ذلك الذى يعايش هذه الظروف، أو من يتابعها على شاشات القنوات الاخبارية.. فقد أصبحت مشاهد الدمار والتخريب والقتل والتشريد والجوع طبقا يوميا عبر الفضائيات والصحف ووسائل الإعلام والتواصل المختلفة
 
 
 
 

فاطمة عبّاس



«لكل فعل ردة فعل تماثله في القوة وتعاكسه في الاتجاه»، لم يكن إسحاق نيوتن يعلم بأن القانون الذي وضعه للحركة في الفيزياء، والمعروف باسم قانون نيوتن الثالث للحركة، سيصلح أيضًا للتطبيق على العلاقات الإنسانية بين الناس، فما نراه اليوم من تسابق بين بني البشر على رد الاساءة بالاساءة، صوّر لنا الحياة على انها غابة يعيش فيها أفراد متوحشون تحكمهم نزعة الانتقام، وضعف النفوس، وليس العقل والمنطق.
 
ولا تدل الرغبة بالانتقام ورد الإساءة بالإساءة على القوة دائماً، بل على العكس تمامًا، فهي في كثيرٍ من الأحيان تدل على الضعف والتبعية لصفات الآخر و أفعاله، فإن أساء لك اسأت له، وإن ظلمك ظلمته. وهكذا تقيدك صفاته وتتبعها بإستسلام منقطع النظير، دون أن تملك الحرية والقوة لتكون أنت!.
 
وإذا ما آذيت الآخر، فأنت بذلك لم تحقق هدفك، وهو الانتقام، وما يصحبه من شعور بالقوة والانتصار، لإنك بانتقامك أثبت أنك مجرد سجين في قيود الآخر، تحكمك أفعاله وشروره وتستنسخها لتشكل ردود أفعالك.
 
لماذا لا تجرب أن تكون الأقوى فعلاً وتحكم الآخر بلطفك وطيب مسلكك وتسامحك وعفوك عن الإساءة؟ لماذا تسمح له أن يقرر عنك ردود أفعالك؟ ألست تعي بما فيه الكفاية لتقرر أنت؟ أم أن شخصيتك لم تتكون بعد لتسمح لك أن تقود نفسك بنفسك؟!
 
جميع الأديان السماوية تحرّم رد الاساءة بمثلها، فلماذا تبيحها أنت لنفسك؟! ففي الإنجيل: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ”. وفي القرآن الكريم يقول تعالى: ”وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
 
لم تحرّم الأديان رد الاساءة اعتباطًا، وإنما كي تسمو بالنفس الإنسانية إلى أعلى عليين، فلا تدن أنت بنفسك إلى أسفل سافلين وقد أراد الله لك العلو والرفعة في أعلى عليين، فالفرد منا يتعامل كل يوم مع مختلف أطياف وأجناس البشر، وقد يلاقي ما يلاقيه من السوء و العنت والاذى، سواء أكان ذلك بالعبوس أو الجفاء أو حتى التطاول بالسب والطعن، فإن بادلناهم بمثل الذي جاؤونا به، فمتى تنتهي الإساءة؟! وكم من الجهد سيبذله قلبك المسكين الذي أشغلته في الضغينة والانتقام بدلاً من أن تشغله بالمودة والسلام، يكفي هذا العالم ما وقع عليه من نزاعات وأذى، فلا تسمح للأذى أن يتسلل إلى روحك أيضًا، حان الوقت أن يعيش كل منًا بسلام، وننشر في مجتمعنا مبدأ نسيان الاساءة، واسقاطها من نفوسنا عامدين متعمدين، من أجل حياة أفضل وقلوب نقية لا تنبض إلا بالخير الذي يعم عليها وعلى من حولها.
 
فُك قيدك وكُن حُرًا ، لإن الشخص الحُر، لا يتقيد بأفعال الآخر، بل يرد السيئة بالحسنة، ويترفع عن مقابلة الإساءة بالإساءة، وليس هذا بالأمر الهين، أن يتجلد الانسان ويترفع عن شوائب النفس البشرية، عن نزعة الشر والانتقام، خاصة وأنَّ الانسان يتأثر بطبعه ويتألم إن بادره الآخر بالسوء والأذى، ومن غير الهين عليه أن يقابل كل هذا بعكسه، وهنا يأتي دور القوة والصلابة وكظم الغيظ، الذي أثنى عليه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حين قال: ”وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، أنت هو العاف، وأنت المُحسن الذي ذكره الله، فقط تحرر واسم بنفسك.
 

 

 
 

close-link

Discover Our New programmes: Elevate Your Experience!

close-link