Menu

طوق نجاة الأسرة البحرينية

Ahlia University
د. عيسى تركي عضو مجلس النواب البحريني في حوار حول قانون الأسرة الموحد
حوار: أماني القلاف

 


القانون يُمكّن من معرفة الحقوق والواجبات في مسائل الأسرة قبل اللجوء للقضاء
 

بهدف دعم وحدة وتماسك الأسرة البحرينية تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بالتصديق على قانون الأسرة رقم (19) لسنة 2017، المعروف بقانون الأسرة الموحد الذي يعد علامة مضيئة في سجل التشريع البحريني، فبصدور القانون تجلت واضحة الحقوق والواجبات الأسرية لكل من المرأة والرجل على حد سواء وأًصبحت الحقوق التي قد تكون محل منازعة فيما بينهما محسومة نصًا وقانونًا وخاضعة لتطبيق نصوص القانون.
 
وفي هذا الخصوص أجرت «صوت الأهلية» حوارًا صحفيًا مع (الدكتور عيسى تركي) عضو مجلس النواب البحريني وأحد من شاركوا في مناقشة وإقرار القانون؛ للتعرف على قانون الأسرة الموحد عن كثب وعلى الدور المقرر أن يلعبه في دعم بنيان الأسرة البحرينية .
 
منغصات ومشكلات
بداية ما – في رايك – أبرز المشكلات الرئيسية التي تواجه الأسر البحرينية، والتي انطلق منها واضعو القانون؟

 
الأسرة هي أساس بناء المجتمعات، لذا من الواجب علينا المحافظة عليها. غير أنَّ هناك الكثير من المنغصات التي من شأنها أن تحكم على هذه العلاقة بالفشل وتؤدي إلى عدم استمرارها.
 
بعض هذه المنغصات والمشكلات نابعة من المجتمع وبعضها الآخر نابع من الأسرة ذاتها، من أبرز هذه المشكلات تعقيدات الحياة التي نعيشها اليوم في ظل سيطرة الماديات والمظاهر، فمجاراة تلك الحياة يتطلب إهدار الكثير من الأموال التي قد لا تكون متوافرة، مما يضيق الخناق على الأسرة ويفضي بها إلى الانهيار.
هناك أيضا الجانب المتعلق بتأخر النضج العاطفي لطرفي الأسرة وعدم تحمل المسؤولية، فالشباب في وقتنا الحالي لم يعد لديهم أي إحساس بالمسؤولية، ربما بسبب طبيعة التربية التي خضعوا لها، والتي تنمي لديهم روح الإتكاليه واللامبالاة، فحينما ينشأ الشاب في أسرة تسعى إلى توفير كافة متطلباته المادية دون قيود أو ضوابط من تأمين سيارة ومظاهر مادية وتحمل تكاليف الزواج عنه وربما الحياة الزوجية بعد ذلك، كل ذلك يؤدي إلى شعور الشاب بعدم أهمية هذا الزواج لإنه لم يتحمل تكاليفه أو مسؤولياته لذلك يلجأ إلى إنهاء هذا العلاقة دون أي تفكير.
 
من الأمور التي تهدد كيان الأسر أيضًا المفهوم الخاطئ للحرية والانفتاح، و الذي قد يدفع ببعض الشباب إلى التخلص من أي نوع من العلاقات التي قد تفرض قيودًا معينة رغبة منهم في الحصول على الحرية المطلقة التي لا تقيدها أي ضوابط.
 
فضلاً عن ذلك هناك الكثير من المغريات المتاحة التي يتعرض لها الشباب مما لو انغمسوا فيها قد تبعدههم عن حياتهم الزوجية، وتنشأ شروخ في العلاقات الزوجية يكون من الصعب إصلاحها، إضافة إلى تعرض الشباب لبعض الأعمال الدرامية التي تفتقد لروح القيم والقدوة أو المعالجة الأمينة للمشكلات التي تعرضها، بل نجدها على النقيض من ذلك تصور الحياة بأسلوب مثالي مما يفتح المجال واسعًا للمقارنة بين الحياة الواقعية التي يحياها الشاب والحياة المثالية الوهمية التي تصورها تلك المسلسلات، مما يخلق الكثير من المشاكل داخل الأسر وفي هذا المعنى يقول الدكتور صلاح الراشد: «بعض الدراما الخليجية لا تزرع قيم ولا تزرع أمل». وفي بعض الحالات قد يكون الطلاق هو الحل الوحيد بعد تجربة كافة أساليب الإصلاح.
 
وما أبرز آثار تفكك الأسرة وعدم تماسكها على الفرد والمجتمع بشكل عام برأيك؟
إذا تأملنا أي مشكلة في المجتمع فلابد أن ندرك أن من ضمن مسبباتها الرئيسية هو التفكك الأسري، فهو منبع أغلب مشاكل المجتمع، فلو نظرنا إلى الانحرافات الأخلاقية والمشاكل الإجرامية سواء السرقة أو تعاطي المخدرات أو أي انحراف سلوكي لوجدنا أنَّ مسببها الرئيسي هو الطلاق، كذلك لو نظرنا إلى الإرهاب والخلايا الإرهابية بكافة أشكالها وصورها لوجدنا فئة كبيرة من هؤلاء وليدة الطلاق والتفكك الأسري، فالطلاق لا يمس الأسرة فحسب، بل يهدم المجتمع بأكمله لأنه سيولد جيلاً نشأ في بيئة مزعزعة تفتقد إلى التوجيه والقدوة والاستقرار والأمان والولاء، فالإنسان ابن بيئته. لذا نجد أن علم الإجرام يسعى بصورة أساسية إلى تحليل شخصية المجرم، ومعرفة البيئة التي نشأ فيها، والمسببات الاجتماعية التي دفعت به إلى ذلك.
 
منظومة تشريعية
وما الدور الذي قامت به المملكة للحد من ظاهرة الطلاق والمحافظة على كيان الأسرة البحرينية وصون كرامتها؟

 
الأسرة دائما تحتل مكانة ذات أهمية، فقد عدها الإسلام من الروابط البشرية التي تسمو عما عداها. وقد أكدت مملكة البحرين في دستورها هذا الأمر، حيث نصت المادة (5) فقرة (أ) من الدستور على أنَّ الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، كما تعنى الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي.
 
كذلك شكل إنشاء المجلس الأعلى للمرأة نقلة نوعية كبيرة في المجتمع، وفي الاهتمام بقضايا المرأة والأسرة، وما يقوم به من جهود محل تقدير واعتزاز كونه يعزز النسيج الأسري ويحميه.
 
أما إذا نظرنا إلى المنظومة التشريعية فسنجد أنَّ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قد أصدر في العام 2015م مرسومًا يقضي بتعديل بعض أحكام السلطة القضائية، إضافة إلى تعديل بعض أحكام الإجراءات أمام المحاكم الشرعية. وتمتاز هذه التشريعات بأنها تضع مبادئ قضائية قانونية في جو من المعايير والضوابط النفسية، وفي جو من الخصوصية التي تستهدف المحافظة على الأسرة.
 
إضافة إلى إنشاء مكتب التوثيق الأسري للمحافظة على كيان الأسرة وحل المشاكل الزوجية، كما أن الدستور إهتم بكيان الأسرة، وعزز مكانة ودور المرأة وذلك من حيث كون الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع.
 
قواعد قانونية موحدة
«قانون الأسرة الموحد» مفهوم مازال غير واضح لكثير من الأفراد، فما دلالة هذا القانون وما ينطوي عليه من دلالات؟

 
كنت أتمنى أن يكون اسم القانون «قانون الأسرة» لكونه من القوانين الداعمة للوحدة الوطنية كما أنه يعزز مفهوم دولة المؤسسات وسيادة القانون. وبعض الدول تطلق على هذا القانون «قانون الأحوال الشخصية» والقانون يتناول بالتنظيم الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الزوجين في كل الأحوال من خطبة وزواج وطلاق وأهلية وحضانة وغيرها من الأمور التي تتعلق بشؤون الأسرة من حقوق وواجبات، كما وضع القانون قواعد قانونية موحدة للأسرة، مع مراعاة الخصوصية المذهبية من خلال قواعد قانونية عامة مجردة تشمل الآراء الفقهية المتفق عليها والأحكام القضائية الشرعية، وجميعها صيغت في قالبٍ قانوني واحد مبين للحقوق والواجبات في كل منازعة بعيدًا عن آراء القاضي الشخصية واجتهاداته.
 
ففي السابق لم يكن لدى المحاكم الشرعية قانون موحد يمكن الاستناد إليه في الأحكام القضائية أما في الوقت الحالي فقد أصبح لدينا قانون موحد للأسرة بما يكفل الحماية للأسرة والمجتمع.
 
وقد سبق أن صرح وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة بأن القانون لا يحلل حرامًا ولا يحرّم حلالاً، وأنه يتوافق مع الشريعة الإسلامية، كما أنه جاء متفقًا مع اتفاقية السيداو، ويمثل نقلة نوعية وكبيرة حيث سيمكن الناس من معرفة حقوقهم وواجباتهم في مسائل الزواج والطلاق حتى قبل اللجوء للقضاء.
 
سماحة الشريعة الإسلامية
وما أهم التوجهات التي أنطلق منها القانون؟

 


كل تشريع قائم على منطلقات وتوجهات وغايات، وأعتقد أنَّ هناك العديد من الأسس التي انطلق منها قانون أحكام الأسرة، ومن بينها أن يكون قانونًا يضفي مزيدًا من الوحدة الوطنية، ويؤكد أن شعب البحرين شعب واحد، كما ينطلق هذا القانون من سماحة الشريعة الإسلامية والتي من غايتها المحافظة على كيان الأسرة وتعزيز تماسكها والدفاع عن حقوق المرأة وجميع أفراد الأسرة، ناهيك عن أنَّ الدستور بيّن أنَّ الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، إلى جانب أنَّ الإنسان البحريني ومجتمعه المتمدن فطر على العدالة واحترام المرأة وتقدير الأسرة.
 
تفاصيل أكثر
وما الذي كنت تتمنى وجوده في القانون؟

 
بلا شك لا يوجد قانون كامل وغير قابل للتعديل، ولكن من الصعوبة بمكان أيضًا الحكم المسبق على قانون دون أن يمر وقت كافي على تطبيقه لمعرفة مثالبه، ويفترض بقانون أحكام الأسرة الموحد أنه تضمن معالجة لمجمل الحالات الواقعية التي مرت على القضاء، خاصة القضاء السني، على اعتبار إن هناك قانون كان مطبقًا وقد تبين للقضاء من خلال التطبيق والتنفيذ وطبيعة الحالات جوانب القصور منه؛ ولكن إجمالاً كنت أتمنى أن يكون هناك تفاصيل أكثر وبيان أوسع بشأن النفقة، وفي تعريف مفهوم الضرر الموجب للطلاق، وفي التوازن بين حق المرأة والرجل خاصة عند الطلاق، وأن يكون هناك توسع في حق الرؤية.. وغيرها من الأمور والتي ترك تقديرها لقناعة القاضي، والتي قد تثير الكثير من الاختلاف في تفسيرها، وأرجو أن تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون توضيحًا لبعض هذه الأمور خاصة الإجرائية منها.
وإلى أي مدى – في تقديرك – سوف يسهم القانون في الحد من الظواهر الأسرية السلبية؟
من الأسباب الرئيسية للظواهر السلبية التي تشهدها الأسر هو التعسف في استعمال الحق، وفي عدم معرفة حدود ونطاق الالتزامات، ولإصدار قانون أحكام الأسرة أثر إيجابي كبير في الحد من هذه الظواهر السلبية؛ ولكن الأهم هو توعية المجتمع وتثقيفه بأحكام هذا القانون، فعند إدراك الزوجين لحقيقة ونطاق وحدود حقوقهم وواجباتهم لن يكون هناك اعتداء على حقوق الطرف الآخر.
 

مراجعة ذاتية
وإلى أي مدى سوف يسهم القانون في استقرار الأسرة؟

 
يُقال إن العدو الأول للإنسان هو الجهل، فمعرفة الأسرة بالأحكام المنظمة لها، وما يترتب على أي وضع قانوني يطرأ عليها عند الزواج والطلاق.. وغيرها من الالتزامات والحقوق قد يخلق نوعًا من المراجعة الذاتية في نطاق الأسرة لحل ما يعرض لها من خلافات قبل تفاقمها وإعمال لغة الحكمة والمنطق، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
 
وكيف نظم القانون – في رأيك – العلاقات والالتزامات والحقوق الأسرية؟

الغاية من أي تشريع أو قانون هو تنظيم العلاقات بين الأفراد، وبالتأكيد ليس هناك علاقة حساسة ومهمة بين أي طرفين كالعلاقة الزوجية التي تعد علاقة مستمرة ومتشعبة وذات خصوصية، فوجود قانون أسرة محكم يوضح للزوجين ما حقوقهم وواجباتهم سيقلص نطاق النزاعات الأسرية ومدعاة لحلها ضمن البيت الواحد، على أن لا يصيب الحيف طرف من الأطراف، فهناك أصوات نسمعها من بعض الرجال تؤكد أنَّ قوانين أحكام الأسرة غالبًا ما تظلم الرجل، إلا أن القانون الحالي يوازن بين حقوق وواجبات الطرفين، كما أنَّ تضمين القانون وسائل وأدوات مساعدة يلجأ إليها القاضي للصلح بين الزوجين هو أمر جيد جيداً، ولكن يبقى كيفية جعل هذه الأدوات مهنية ومتخصصة غايتها التوفيق الجاد والحفاظ على الحقوق.

 

close-link

Discover Our New programmes: Elevate Your Experience!

close-link